د.ماجدة غضبان المشلب |
قد قرأ في كتبه التي تراكمت
كبرج عال في مدينته ، و التي كانت بحوزته يوما انهم قد عرفوا بالراجلين ، و هم
إمتداد لمن تم تسميتهم بالزاحفين..
و كان جده يؤكد على ان اصول
الزاحفين سماوية ، فيما غلب الاعتقاد على ان الراجلين قد انحدروا من الملائكة..
و قبل ان تصبح العوالم خلف
جبال المملكة حقيقة لا غبار عليها ، قضى الملايين من الفريقين نحبهم في حرب ضروس ،
لم تتوقف ابدا على مر التأريخ المدون الخاص بعصورهم حتى فنائه و طمس معالمه تحت
أطنان من حمم البراكين ، و من ثم إكتشاف وجودها من جديد على أيدي المجنحين..
تميز الزاحفون بقدرتهم على
السير فوق سطوح الجدران و السقوف ، في حين اعتبر الراجلون التشبه بالزواحف هرطقة و
كفرا..
خلف حصن المملكة ، كان عالم
الشياطين يقيم متربصا بقدسية مباديء القطبين المتناحرين ، و لم يكن ليحمي الجموع
المؤمنة بأرجلها الأربع و تلك التي تعبد القدمين سوى الجبال الشاهقة التي تراكمت
عبر عصور طويلة ، و من خلال جهود كلا الطرفين في إعلاء شأنها ، و الإهتمام ، و
التفنن بتصنيع وعورتها ليصبح الخروج من المملكة ضربا من المستحيل.
و في احدى حكايات جده المجنح الأول
، و التي نشأت على خلفية الأساطير المقدسة القديمة ، ذكر ان جميع من حلموا بتجاوز الصخور
الوعرة ، و القمم التي لا تبلغها عين ، نحو المجهول خلف أفق المملكة ، قد تم حرقهم
و إبادتهم بمختلف سبل القتل الشنيع ، لذا أصبح على الطرفين معا ان يسنوا قوانينهم
الصارمة بشأن من يخطر له ، و لو من قبيل الصدفة ، ان يتخيل ان هناك امتدادا للأرض
او للسماء خارج واقع المملكة..
و تذكر بعض كتب جده المجنح
الأول ، ان يوم القرابين كان يقام سنويا حين يزداد عدد الأفراد المطوقين بتضاريسهم
المصطنعة بشكل يهدد بإيذان موسم المجاعة ، و الظمأ ، و نزول الوحي ، بإقرار يوم
التقرب الى السماء..
و كانت الأمهات تحبس في وديان
الآثمين إبان الموسم ، ليسهل على الرجال ذبح أكثر عدد ممكن من الشباب الحالمين ، او
ما يصطلح على تسميتهم بالزحفو_راجلين ، بعيدا عن أنظار الأمهات الثكلى..
كما ثبت في معظم مخطوطات
المعابد التي زامنت ذلك العهد ، ان إحتفالات المطر ، و أعياد القمح التي يقيمها
الأغنياء حول قصورهم ، و في الساحات العامة ، كانت تبدأ مباشرة بعد يوم القرابين ،
مبددين فيها الطعام و الشراب بإفراط مهول..
و تؤكد مدونات تأريخ المملكة ،
ان معاصري ذلك الزمن ، كانوا يشيدون ميادين المعرفة ، و التي كان يصر على التوسع
في الإنفاق عليها ، المتصلون بالسماء و المترجمون للغة الطقس.
وفق ما ورد في الكتب المقدسة
، (التي لا يمسها سوى من يسنون قوانين القرابين ، و يحددون توقيت انطلاقها) ، فقد كان
للأمطار ، و هطولها تسميات مختلفة حسب كميتها ، و وقت تساقطها ، و مدى تلاعب الريح
في إستقامة خطوطها ، و للرعد مترجموه المختلفون في الرأي دوما ، و للفصول علماء
يحللون المعاني المقيمة خلف تغير درجات الحرارة ، و عري الأشجار ، و كسوة الربيع
الخضراء..
أحد الكتب الذي تعرض مرارا
للحرق ، و كانت نسخ منه ، رغم ذلك ، تحفظ سرا بطريقة ما للأجيال القادمة ، يؤكد
على حقائق لا يمكن الجهر بها علنا يومها ، منها وجود قرى ، و ممالك أخرى عديدة غير
هذه التي يتعبدون في معابدها المختلفة ، بل و قد نصت المبالغة في بعض فصوله على
ذكر وجود أنواع أخرى من الكائنات ، و التضاريس ، و الأشجار ، لم تكتشف بعد تقيم
خلف قرص الشمس..
و عند نصب المغضوب عليهم في
ساحة المدينة ، تم تدوين معلومات حول مؤلفي الكتب الحالمة التي تحرق دوما ، و كيف
تم تقطيعهم بآلات صغيرة ، تشبه أدوات النحت الدقيق على وقع اصوات الطبول ، و أقدام
، و بطون الراقصين بجنون.
بالنسبة له تبدو البشاعة في
ما ذكر ، ان أصحاب الشارات الحمراء في الحضارة الحالية ، لا يبرحون يروجون في
كتبهم ، ان لا عالم أبدا خلف الجدران العظيمة المحيطة بالولايات الشاهقة في علو
مبانيها و جبالها ، و التي شيدها الأجداد المجنحون بآلات بدائية ، تم الإحتفاظ بها
في المتحف.
لم يعد هنالك من يوم للقرابين
، و لا احتفالات للمطر ، و لا اعياد للقمح.. غير ان داخل سجنه ، كان الكثير من
المجانين الذين يرددون بإيمان مطلق ، _كما دأب هو تماما_ ، ان الجدران العظيمة ليست
منتهى العالم ابدا ، و إن ما حدث بعد إندثار القرى ، و الممالك التي كانت تذبح
أولادها من الزاحفين و الراجلين ، هو التوسع في تأسيس الولايات الهائلة الحجم ، و
إزدياد أعداد الكتب التي توثق ، ان لا كون آخر خلف ما يرى الآن ، و تعدد السجون الألكترونية
التي تغص بالمتسامين.
و لا يمكن نكران كم بلغ
الإحتراف من دقة لا تبارى في تأسيس سجون البارعين في التسامي ، لمنعهم من التحول الى
ذرات دقيقة ، تجول في الفضاء بحرية ، لا تحدها حدود تحطم منعة الحصون.
ساعة إعدامه ، بآلة التقطيع
الألكتروني ، شعر بتواصل شعاعي عظيم مع أسلافه من الزحفو_راجلين ، و خيل اليه انه
يراهم عبر شاشة شفافة ، و يحاورهم بلغتهم ، الى درجة الإنشغال التام عن ألم تقطيع
جسده حتى نهاية تهشيم رأسه.
ما جهله عند تواصله الشعاعي
ذاك ، قبل وفاته ، ان علماء المجنحين قد سجلوا حواره تاما مع الزحفو_راجلين ، و
بوضوح تام ، و انهم قد حددوا إحداثيات عوالم أخرى ، لا يدرك آفاقها سوى بقية المتسامين
، المحكومين بالإعدام على التوالي في السجن الالكتروني ذاته.
majidah64@gmail.com