الى المرأة في يومها ، و كل أيامها لأهل الأرض
أعياد
(قد قال بالألم تلدين ، فما أُتــرع نهداك الا
بالحب وحده)
كتاب فولتير على الطاولة..
و مدام بوفاري تنتزع كل
عشاقها كما تنتزع دبابيس شعرها..
بسبابة واحدة أخذت تمحو
تفاصيل ما شتلته عربة تجرها الخيول في أحياء باريس.. و ما حدث في القصر القريب
أيضا.. و حيث ترنحت خطواتها نحو بيتها عند الفجر.. و ما سكبته من تأوهات على رسائل
الخيانة في أدراجها.. و ما جنته من سحنة زوجها و هو يقلب قلبها على ورق قديم مستسلما لحماقته و جنونه..
لم تعد الكنيسة تناقش أمرها..
ذابت خياناتها في بحر من ضياء برج إيفل.. و غبطة السين بتحوي مويجاته ، و خلود
الرضا في قاعه..
نهضت كقديسة في رحاب أنثى ، و
تململت بترم في حيزها البشري الضيق..
أطل صوت حبيبتها مضطربا من
سماعة الهاتف كعصف إنفجار مفخخة قريبة..
تلك مجنونتها التي تتحول الى
كائن آخر حين تشرع في الكتابة.. فلا تكاد تسمع النداء المسترخي كعنقود عنب مختمر
عند دنانها..
_لم أخرجتني من قصر بودلير؟..
انتصبت كلماتها فوق شرفات
الغضب.. و هي تواصل:
_هنا الزنجية تسرح بين قصيدة
و أخرى كأنها الليل الذي لا ينقضي عمن فارق خليله..
_بل أنا معك فيه حيث تنبت كل "أزهار
الشر" بين قبلة و أخرى..
_"خرز خلخال تطشر و ألمك؟؟"..
القلعة الطينية تقترب من
الشريعة بزخارف السعد.. و الغراف يتغنج تغنج النساء بالكفوف المحناة ، و بلون
الديرم على الشفاه.. و الكحل الذي لا يغادر الجفون الا مع نظرات الوله..
الماء يمارس الحب بين أناملهن
مع عطور المسك و الهيل و العنبر ، و الضحكات تتوارى بين أغصان الرمان الطرية المحملة
بثمار مريم العذراء و اليسوع..
عند الكنيسة تبعت الزغاريد
صيحات قدها المجون من قدم و من دبر، لا حاجة لدليل على إقتحام الأسوار الإلهية نحو
ورقة توت تسقط بمحض إرادة ما سُفــِّه في بيداء المحرمات..
مثليتان تشرعان بتقبيل بعضهما
البعض بين ضجيج المدعوين من الرجال.. تطلقان شهقة تذوب لها سيوف الحرب المحتدة.. و
تنسل مسحورة لتماهي الجسدين في بريقهما.. و إقتحامهما لغموض الأدغال.. و العشب
الخجول الندي المطعم بزهرات زرق صغيرة تلمع كفصوص الماس في خواتم الأميرات..
لم تشعرا بمقدم الخيول و هي
تجر حديدها بلا قوائم ، و لا سمعتا بيتا من ميمية المتنبي لسيف الدولة.. فقد أجهز
الفردوس بجرأة الشهوات على حروب الردة.. محلقا بجناحين من زبد قاموس الحرير..
داعبت الأنامل ما بين منحنى و
آخر ثمار حواء المتدلية من جنائنها المعلقة.. مضى الولدان بأقراطهم خاشعين.. و
تبعتهم كل حور العين..
لم يعد من شبق البرية سوى مزنة آذار لتهبط
كالوحي على واحات اللذة الخفية.. مقيمة بين الزهور رغوة شراب طافحا فوق اللهاث..
منصاعا لكل خيوط الرعشة..
ضجت كواعب الربيع على جسديهما
ضجيج غاب بين دفتي إعصار.. و تلوى شلال حائر بين إستبداد قمم الجبال و لهفة منحدرات
الوديان لقدومه العارم..
تداخلت الأذرع في عناق غير
عادل.. أشبه بعناق الذهب مع الماء المذيب له..
خصل من شعريهما تضمخت بثمالة
الكؤوس.. سكرت حلمات النهود بفتوى الشغف..
_ليس من خيار بين البقاء و الإذعان لتوحد جائر بحق
الذهب و مائه..
_لم أختر الذوبان..
_و لا أنا..
_أنت لعينة.. قدمت من زمن آخر
يجهلني..
_بل أنا أعرف جيدا من تكون
هذه المرأة الغاضبة دوما..
_تسألين عن الغضب؟ ، ما رأيك
بالموت تحت دثار الأحياء؟.. ، ما رأيك في أزقة تحتشد مع بعضها لتطردني كيتيم لم
يدرك والديه بعيدا عن أية سكة تصلني بما كان؟..
_عدنا من جديد لما حدث في
لشبونة.. ، كانت تلك ليلة فحسب قبل الحرب ، و قرأناها معا في رواية..
_أنت تخلطين بين ما رأيت أنا ،
و ما قرأنا معا..
_حبيبتي.. ، اني اتوق الى
ضمك..
_و انا لا أتوق الى حب يتحدى
الجغرافية و ما فيها من تضاريس..
_قد خلعنا كل ما كنا عليه خلف
هذا الباب..
_مازال صوتانا يصدحان بأنوثة
، ما زلت من زمن أغبر..
_"مدري ليش أتمايزك وردة
قرنفل ، و أتيه روحي بريحتك ، و أحتار من يا صفحة أشمك"
_"من تجسني إشفايفك
تاخذني غيبة"..
_و "من ترشني إبمزنتك و
لهان أفز"
_"لن روحي يمك"..
_أبعد هذا من حيرة؟
_انها حيرتي بين سحر الزهور
الصغيرة التي تنبت في آذار على الأراضي البكر في قلعة سكر.. و بين فردوس براء من
سمائه.. ولد عند منحنيات إمرأة.. بين الشامخ من جبالها و وهاد أسرارها..
عريان يدخل ذات الفندق البغدادي
المتواضع ، و يختار غرفة رقم 319
_"على طولك إشعلني و صيح
بيه الصوت"..
_"أنا بطرك النفس بين
الحياة و الموت"..
_أجاورنا ليلتها ، أم سمع
رنين الشهوة في أربعة خلاخيل؟..
قهقتا بجنون.. ، انطرحتا عند
الغدير.. و رق الطين تحتهما حتى استحال شغافا.. نديت أوراق من شجر البرتقال..
تنهدت بكارة القداح و هي تتمزق عند إصرار أريج ما حملت الصواني يوم الدخول..
_هل سمعتِ بسقوط طاق كسرى؟..
_هل علمتِ بثورة الزنج على
مسطحات الماء بين بغداد و البصرة؟..
_" جملني بعد كطره وخذني وياك"
_" هناك الفيض كلبك"
_"حتى
روحي تنام"
الجواري و الإماء في قصر
معاوية يرمين بأدوات الإخصاء عند المسجد الأموي.. ، و المنصور و المنتصر و
المستنصر بالله مع نبوخذ نصر و حمورابي و جلجامش يضعان مسلة متوارثة.. و يختنان
قربها عذارى شهريار قبل ليلة من ولوج السياف لمخدع مولاه..
_"لنها ما بالغبشة غبشة
بغير عينك"
_"خاف أترز بيك حد كطع
النفس"
_"و ازهك و أضرك"..
_"خاف تطشر ولك و شلون
ألمك؟"
تناوب الجسدان بين طي و إنبساط..
و انزلق نهر من الخمر ، و آخر من لبن بين القلعة و الغراف ، بين دجلة و الفندق ،
بين عريان و خشيته من جد علوية بجيد يتعرق بماء زمزم..
_عصبت أعين الرفاق..
_اغتصبوا الرفيقات..
_انهن يغسلن فروجهن بماء
الذهب في الأقبية تحت بنايات بغداد..
_سقطت بغداد بعد سقوط النساء
مع الرضع في قبور جماعية..
_ "يمعود دخيلك والكلب شيصير"
_"من تكطع بتوته منين اجيب بتوت؟"
تطرق الباب زليخة على أنغام
المزنة الأولى.. و تفتح أبواب الغراف و القلعة..
_لم يعد يوسف هنا..
_و لا السنين العجاف..
_و لا العجل المعبود..
تاهت زليخة في أوراق مصحف ، و
جف ثدياها في مجاعة أفريقيا ، و شهدت الحشود في قم مقتل قرة العين..
_"عاذرك لو تغتاظ"
_"بس من غير شارة ، و
شارتك هالبينت ودخيل جدك!!"..
صغرت في عين سيف الدولة
عظامها ، و عظمت في عينه رحلة أحمد نحو كافور الأخشيدي.. ، طلق المعري الدنيا
ثلاثا ، و لم يقذف في رحم الخطيئة ، لم يأكل لحم ذبيح..
العموريون يتقدمون نحو أور
تقدم بدو الخيام نحو الحواضر ، و الملوية تعلو حتى تناطح غيوم هارون الرشيد..
اليهود في كركوك يبنون معبد ملك بابل.. برج بابل يتحدى بعلوه السماء..
_أهذه باريس؟
_لست مدام بوفاري لأعرف..
_مدام بوفاري لم تحضر عرسنا
المثلي..
_و لا غلمان القصور العباسية
، بل لم نشرب خمر ابي نؤاس..
_كل هذا يقع خارج التحامنا
على أرائك الفردوس..
_انها لذة للشاربين..
_ما من لذة خارج امتداد
الغراف ، و جدران القلعة ، و رمانها البتول..
_انها ناطحة سحاب قدر ما
استطاعت..
_ليس بي أمنية أن انطح السحاب
، فأنا فوقه حقا..
_ماذا عن كل ما جرى فوق الطين
و تحت الخيمة الزرقاء؟..
_لا يعنينا قدر ما كان يعني
لبوفاري موتها و هي تشرب قدحها الأخير..
_هناك نحيب عند قبرها..
_و هنا موسيقى حب أعدت
للمؤمنين ، و كان مذاقها كافورا..
_ذلك حب لا ريب فيه..
_هل نمضغ كل ما مضى كعلكة
لابد من رميها بعد حين؟
_إن كان كالعلكة ، بلى.. ،
مالذي يجبرنا على الإحتفاظ به؟
_ربما كان يومها ذهبا يلمع في
عين أحدهم؟
_ها أنت تقولين يومها ثم
تلحقينها بأحدهم..
_أتعنين اننا نرى سوى ذلك؟
_أعني ان وقت القبل قد حان..
_اني اراه كذلك..
_ما الاستبرق و السندس الا
مداس كسرى؟..
_بحوزتنا خلود جلجامش دون
أفعاه..
_هل يجرؤ الموت على شجار مع لذة
الخمر؟
يمتد العناق السرمدي حتى
أذيال ثوب مدام بوفاري..
يقترب برج إيفل مهرولا من
نخلة ثقيلة الأعذاق.. تتراقص صورتاهما على صفحة الماء.. يلقي الغروب بألوان الحبور..
و تغمض الشمس أعينها على تداخل الأزل...
___________________________________________
كان يفترض أن أضع الكثير من
الهوامش ، لكني سأترك للقاريء أن يضع هوامشه الخاصة به ، و أكتفي بالقول ان كل
الشعر الشعبي المحصور بين قوسين مأخوذ من قصائد للشاعر العراقي عريان السيد خلف ،
و هو أحد شخوص هذا النص أيضا.
majidah64@gmail.com