د.ماجدة غضبان المشلب |
النهايات
تقترب على عجلات الايام..انها لا تعلن قدومها ابدا..وان كانت على بعد خطوات منا!!!
زرقاء..زرقاء
_الشباك
هذه الليلة اضيق من المعتاد و النجوم تبدو و كأنها محيت بممحاة!!.
_انه
الشباك ذاته و النجوم تملأ السماء..
_انت
لا تدقق جيدا هنالك قضبان كثيرة، و لا ارى نجمة تضيء!!.
_اصمتي
ايتها المرأة، ونامي.
_كيف
اصمت و هناك من وضع قضبانا على نافذتنا دون ان ندري كيف؟، و متى؟، و لماذا؟
و
فقأ النجوم كلها ؟؟؟؟؟
_لعلك
تعانين الكوابيس؟؟؟؟؟؟.
_لا
اعاني من شيء لكنك لا تضع نظارتيك؟؟؟؟؟؟.
_لا
اريد ان اضعهما لانك جننت الليلة.
-اني
أجَنُّ اذا جَنَّ الليل..ما الغريب؟..
لكن
هذا لا شأن له بالقضبان فهي مزروعة امامي و النجوم لا وجود لها.
_نامي، وسيكون غدا بلا نجوم، فالشمس ستشرق و لن نكون بحاجة اليها.
اما
القضبان فسآتي بمن يزيلها.
_دون
ان نعرف من فعل هذا؟
-ما
شأننا بذلك؟.. حسبنا ان نحل المشكلة.
فقط
دعينا ننام الليلة.
_نم
انت، انا لن افعل حتى ارى النجوم قد اتخذت اماكنها، و قد اذابت قضبان النافذة.
_حسنا
حتى الصباح سترين من المجنون فينا؟؟
ينقرض
الزمن بين غطيط زوجها، و همسة قرب الشباك:-
_زرقاء؟؟؟؟؟
_زرقاء؟؟؟؟؟
تقترب
المرأة بملابسها اللامعة في عتمة الليل صوب همسة مريبة.
صباحا
لم يكن عسيرا على المارة ان يلمحوا قطرات الدم تسيل من عينين تبدوان كفوهتين
كبيرتين تفوران بدم صامت عبر نافذة محطمة الزجاج هشيمة القضبان.
قرية
صغيرة
ثمة
شحوب وبقايا لقطرات من شمس لم تغب، لكنها تتلاشى فجأة امام هول غمامة سوداء، و شيء
من العصف يطيح بأشجار كانت على بعد عدة امتار منه.
أصغى
الى الصوت جيدا.
لم
يكن صادرا عن باب مغلق غادر موقعه وصار هشيما، و لا من خلف الجدران، فهي الاخرى قد
انبسطت لتزيح للعراء فسحة كبيرة اجتاحت كل المسافة امام ناظريه.
ما
شعر يوما برغبة في إسناد ظهره الى جدار كما شعرها الآن.
إشتهى
وجودها قربه لينتصب كل ما تداعى، او ليطغي صوتها على وجيب قلبه المذعور، و وجله من
هاتف مرعب يتموج عبر أعماقه مخترقا نسيج كارثة قد امتزجت بما حوله، فاضحى كثوب فضاء ممزق تتساقط من هزيل ما رتق منه كواكبه و
مجراته و تختفي في إبهامه الجهات الاربع.
فكر
و هو يرتعد هلعا:
لابد
للعين من شيء كي ترى، و لابد للاذن من صوت كي تسمع، غير ان هذا مشروط بوجود الاخرين
و الاشياء، اما ان تكون على مسرح بلا حدود، و حيدا بعد طوفان، دون منقذك نوح، و دون
تحذير مسبق، و إنذار بوقوع خطب ما، فهو ما يجعلك تفرك عينيك مرارا، و تثقب أذنيك
باصابعك، و تصفع خدك لتصحو من كابوس؟؟.
تساءل
و قد انتحى به الجنون جانبا، و خلا به خلوة لا مناص منها، و هو يتمدد على الهلام
الذي كان تحته، و فوقه، و كل ما حوله :
_أين
القرية الصغيرة التي كانوا يسمونها الكون؟
ليلة
ما قبل الإقرار
_هل
علمت انها الليلة الاخيرة؟.
_اجل
بعدها ستغوص اقدامنا في الرمال؟.
_من
اين لنا ان نسير في بحر بلا مركب؟.
_و هل
من خيار اخر؟.
_لا
اظن .. ربما لدينا الخيار بين ان نقف و ان نمشي.
_هذا
ليس خيارا بل حيرة.
_حتى
الاختيار بين الحيرة و القرار هو خيار.
_لكنه
لا يحتكم الينا بل الى ما حولنا.
_هل انت
على يقين مما حولنا؟.
_لا
لست على يقين..فالظلام دامس هنا.
_كم
جرح لديك؟.
_لا
اعلم هناك اكثر من موضع للالم.
_هل
هنالك لزوجة دم؟.
_اني
اشمها وا ستشعرها قد تخثرت بين اصابعي.
_انا
ايضا و هذا يعني ان النزيف قد توقف.
_ربما
لكن التعذيب لا.
_نعم
سيتم استدعاؤنا من جديد.
_هل
تعرف ما هي تهمتنا؟.
_لا..لا
اعرف..
_و لا
انا..
_هل
تظنهم قد جاؤوا بنا بسبب خلط في الاسماء مع بعض ممن يبحثون عنهم؟.
_ربما
لكن لا يبدو عليهم انهم سيصدقون ما نقول.
_هل
ترى ان نعترف بالتهم الموجهة الينا؟.
_نعم
ربما سيخلون سبيلنا.
_و
ربما لن يفعلوا فهي مجموعة جرائم تودي الى الاعدام حتما.
_اني
اختاره على ما انا فيه.
_و
انا كذلك.
_هنالك
اصوات اقدام تتجه صوبنا.
_استعد
للتوقيع على اوراق التهم المدونة.
_بكل
تأكيد سأفعل.
_الى
لقاء في عالم اخر.
صوت
باب الزنزانة يصر عاليا.
ما
حدث عند باب مرسمي
ضجيج
تحت العمارة.. ضجيج داخلها..ضجيج الجيران يكاد ان يهبط بثقل السقف على رأسي.
تأملت
ريشتي الجافة و لوحتي الظامئة و الواني المفعمة بالانتظار.
بضع
خطوات لأصل حتى قطعة القماش المسمرة بشوقها و يد مرتعشة تمتد كي تلتقط منجلا ادمى
اصابعي.
الحقل
على اللوحة البيضاء بتيجان قمحه الصفراء قد استبد به الملل.. خلفه شمس تود لو ان
الغروب ينتشلها من صمتي الطاعن في السن المجعد الملامح.. لوحة بيضاء و لطخات
صفراء.. حقول مترامية و المنجل الوحيد ادمى اصابعي.
الباب
مغلق بالرتاج.. و نيسان قد حل و الحصاد استقام على سيقان زمن هرم بين جدران غرفة
صغيرة..الريح ترج حقول القمح و كأنها تسعى لإنضاجه سريعا.. شعري يطير خلفي يمسح السباخ.. نهدان
يقفان خلف حفيف ثيابي يحرثان انوثتي على بلاط بارد..
يُطرق
الباب..
رجل في الخارج بقدمين ثقيلتين.. لا اراه لكن لهاثه يبلغني، تسيح منه رائحة سجائر مألوفة.. رجل اخر يقف جواره، اظنني شممت عطره.. شاب حديث السن يدق بالحاح على الخشب المتعب المسامير.. اخر يهمس بآخر رسالة كتبها لي.
رجل في الخارج بقدمين ثقيلتين.. لا اراه لكن لهاثه يبلغني، تسيح منه رائحة سجائر مألوفة.. رجل اخر يقف جواره، اظنني شممت عطره.. شاب حديث السن يدق بالحاح على الخشب المتعب المسامير.. اخر يهمس بآخر رسالة كتبها لي.
لغط
كبير خلف باب مرسمي.. ضجيج تحت العمارة.. ضجيج داخلها..الجيران لا يتوقفون عن الركض، و هم يحصون عدد مربعات البلاط في شقتهم.
حشد
كبير..و بيني و بينهم باب شائخ.. و المنجل يقطر دمي..اصواتهم تتداخل..الواني
تتلاقح.. و رؤوس القمح تثقل..الشمس تتراءى لنصف الارض الآخر.. و الحشد يتضاعف..
كثير
من الدم يسيح.. كثير منهم لا يرى جثتي.. كثير منهم لا يصمت.. كثير منهم لا يعرف ان
بابي مفتوح، و بامكانهم الدخول منذ قرون..