ظن الشيوعيون يوما ان معرفتهم لقوانين تطور المجتمع، وهي مماثلة تماما لقوانين الطبيعة، ستمكنهم من إختصار الطريق نحو الإشتراكية دون المرور بالمراحل التي تسبقها، غير ان التجارب جميعا التي نقلت المجتمعات الإقطاعية في العالم الثالث بقفزات أسندتها معظم دول المعسكر الإشتراكي باتجاه الإشتراكية قد فشلت، لإنعدام التوافق بين التطور الإقتصادي والتطور الذهني.
ووفق المفهوم ذاته وجد العرب والمسلمون أنفسهم يقفزون _بأمر من النظام العالمي الجديد_ من الجمال والهوادج وبعقول أهل الصحراء الى مقاعد أحدث السيارات (بإستثناء العراقيين الذين حلت بهم لعنة السايبة) مع إمتلاك كل وسائل الإتصال الحديثة والأجهزة الألكترونية التي أنتجت تلاقحا كارثيا بين العقلية البدوية وتقنيات الحضارة.
بعد إنحسار المد اليساري، والتمهيد لإعتلاء الإسلام السياسي صهوة الحكم، تراجع الفكر العربي والإسلامي ليستقر عند ركام ثقافي مهتريء منتقى من عصور غابرة.
وتم إعتماد فقه السلاطين دستورا ومرجعا لحل معضلات معاصرة برفقة نمو أجيال كاملة ممزقة بين ثقافة رفض الآخر بشكل دموي، والإنفتاح التام على واقع حضاري غربي بموروث وعادات مستهجنة من خلال وسائل الإتصال، ومع إنتفاء وجود قاعدة فكرية صلبة بمواجهة الغزو الثقافي والتقني أصبحنا أمام ابشع إستخدام لهذه التقنية، ومع إنعدام سن القوانين الموائمة للقفزة الحضارية المباغتة، وجدنا أنفسنا بمواجهة جرائم تشهير بالعرض والشرف لم تعتدها مجتمعاتنا من قبل، بالإضافة الى الغرق التام في مستنقع الإباحية، وشيوع الدعارة الالكترونية، وإختصار العلاقة الجنسية الى ضرب على أزرار الحاسوب او الهاتف النقال، ومسخ العلاقة العاطفية بين الرجل والمرأة الى ما لا يحصى من مشاكل الإنحلال الأخلاقي والإجتماعي والتفكك الأسري.
وعلى الرغم من عدم توفر إحصائيات، في العراق بالتحديد، تبين العلاقة بين إرتفاع معدلات جرائم الشرف وجرائم التشهير بالعرض بإستخدام تقنيات التواصل وبرامج شركة ادوبي، الا ان ما يتم تناقله من قصص مرعبة حول إبتزاز الفتيات جنسيا، أو إغتيالهن جسديا، أو وقوعهن في شراك الدعارة الألكترونية يشي بفداحة الكوارث الإجتماعية والتي غالبا ما يتم التستر عليها نظرا لتعلقها بعادات وتقاليد مجتمع صارمة.
كم من فتيات قتلن بسبب صور تم التقاطها بواسطة هاتف نقال، او فيديوهات تم تسجيلها بكاميرا الحاسوب، غسلا للعار؟، كم من الشباب الذكور من انحرف عن جادة الصواب وجعل من اللواط مهنة؟، كم من النساء من وضعت صورهن الملتقطة في حفلات عائلية خاصة على صفحات دعارة الفيسبوك دون موافقتهن أو علمهن؟.
فتكت الشياطين بعقول أطفالنا من خلال العاب البليستيشن والأكس بوكس وشوهت بقصصها الدامية العنيفة كل ما كان بريئا، لم تعد المدرسة أو الإسرة أو دور العبادة قادرة على ترسيخ أية قيمة إنسانية عليا مع ضخ الفضائيات لكليبات العري والفن الهابط، لم تعد العوائل تلتقي على مائدة واحدة وفي يد كل فرد منهم جهاز ينتقل به الى حيث تقيم الأبالسة.
أصبح الفوتوشوب وسيلة تهديد وإبتزاز لكل إمرأة محصنة، والهاتف النقال ذاكرة لعشرات الأسماء من الأحبة دون حب حقيقي يذكر، والكاميرات بما تصوره وتفبركه حكما بالإعدام على الضحية، والمواقع الإباحية إحصائية شبه مؤكدة على ان العرب والمسلمين من أكثر روادها، ومن ضمنهم الأطفال بأعمار شتى.
هنا أحب أن أشير الى إن فتح الأبواب على مصراعيها لولوج فضاءات لا ننتمي لها ليس من قبيل الصدفة، وتواطؤ الحكومات وعدم سنها لقوانين تحجب المواقع الإباحية، وتعاقب من تسول له نفسه التشهير بأعراض الناس بوسائل الكترونية ليس مجرد تهاون وكسل، هنالك تأسيس متعمد لعملية غسل أدمغة شامل، وتحطيم لموروث ثقافي وأخلاقي وإحلال الفوضى محله، وتشويه لمباديء انسانية معتمدة ..هنالك شبكة كاملة لرصد كل ما نقول ونفعل حولت الكون الى جبال أكواد هي أشبه بخيوط الدمى المتحركة، تحركنا، وتعبيء عقولنا بما يحلو لها من معتقدات وأفكار، تزيل ما تشاء من مخيلتنا وتضع له بديلا ينتسب جينيا الى من هو على قمة هرم الريموت كونترول العالمي.
إني أتساءل أين دور المؤسسات التعليمية في إضاءة العتمة المحيطة بأولادنا؟، ماذا تفعل دور العبادة في خطبة الجمعة سوى النفخ في نار الطائفية بدلا من توجيه الأسرة الى أهمية متابعة سلوك أفرادها وكيفية التعامل مع الأجهزة الحديثة؟، لماذا غياب منظمات المجتمع المدني في وقت نحتاج فيه الى دعمها لرصد كل إنحراف إجتماعي؟
ملاحظة: إنتشر في الآونة الأخيرة إعلان يخص اهل العراق بالذات في معظم مواقع النت يشتمل على ما معناه:
إختبار الحب في العراق لأول مرة، ضع رقم هاتفك..الخ
لابد من التنويه الى ان هذا الإختبار مرتبط بشركات صناعة الأفلام الإباحية وعلى الجميع ذكورا وإناثا الحذر منه، فهو ينتهي بضياع حتمي.