الاغنية العاطفية .. انصهار واقع الألم في قالب الحب المريض









تستمتد الاغنية العاطفية خطورتها من قدرتها على التسرب واجتياح كل الحواجز الاخلاقية لمجتمع ما 


وبلوغ اسماع كل الفئات العمرية وكل طبقات المجتمع وبناء مفاهيم تتجذر عميقا في النفس البشرية حول موقف الانسان من واقعه استنادا الى موقفه من عواطفه قبل كل شيء. 



يفترض ان يكون الحب مصدر طاقة النهوض بالانسان والتمسك بحريته وثورته ضد كل ما يحط من قيمته وقدره والتطلع لاقامة واقع اخر اوسع افقا مسلحا بمعرفته التامة لما هو آيل اليه مع احاطته تخطيطا لمصيره مستقبلا، لكنه مثل كل شيء في هذه الحياة خاضعا للمنظور الاقتصادي وميزانه في رسم متاهة الانسان من والى ذاته ولا عجب ان منطق السوق في البيع والشراء هو منطق الحب ذاته في مساره المتذبذب بين طرفين تم تقييدهم منذ الولادة كتابعين لثقافة مجتمع سلطوي لا يمنح الفرد ارضيته الخاصة راسماآماله واحلامهفيها بوضوح صوبحياة تنضح بالحبور. 


لطالما كان للكلمة الشعرية القدرة على تصوير مرحلة تأريخية كاملة من خلال وصف العلاقة بين العاشق والمعشوق بإيجاز شديد. 



الحب هذه الكلمة السامية هي خير ممثل لالتقاء الشبيهين وليس النقائض وخير من يعتمد الانسجام الفكري والامتزاج الروحي لتصبح العلاقة الناتجة منبع هائل وخلاق لبراعة الانسان في تحقيق ذاته ملتحمة بسواه وصيرورةتطور لا يتوقف عن التجدد غير منحرفعن مسار السعادة المطلقة. 


غير ان هذا لا يحدث في كون يسلب حق المرء في اخلاصه لما جبل عليه لصالحما اجبر عليه. 


الانسان اليوم يقف مهزوما امام القادم من ايامه قلقا هائما لا تقر عينه بما يملك وهناك المزيد مما يملك غيره واهمها مصيره حتى طلوع فجر جديد. 



الحب ينمو على ارض لم تتخل عن طبيعتها ولا يمكن له الوجود في ظل توقع اعصار قادم يحطم تطلعات المرء على صخرة سلطة المال وجبروته. 


لذلك جاءت الاغنية مطبوعة على الشعوربالقلق والرعبو استساغة العذاب والصبر عليه ماسخة الجمال البشري ككتلة مهيئة للانسحاق تحت عجلات حضارة لا تمثله قدر ما تمثل خطوط سير قوة المال وعبثه بمصير الكون كله. 



الى جانب الحب المريض، المعوج الساق، المتحجر النسغ،تنمو مفاهيم الخضوع لا المساواة، الغدر لا الوفاء، الهجر لا الابقاء على الوعود، وبمجاراة ذلك يكون رد الطرف الاخر سلبيا مستسلما للاانسانية العلاقة برمتها حتى اصبحت ام كلثوم كوكب الشرق تصدح ليل نهار (عذاب الحب يا احلى عذاب) كما لو انه افضل اكتشاف بلغه المخلوق البشري ليصف تفوقه على الكائنات الاخرى العاجزة عن الشعور بالعاطفة الا بقدر ما تسمح به هرمونات الامومة والإرضاع.



و ليس فينا من يستنكر التلذذ بترديد ابيات شعرتنتصر للمحبوب، وان هجر، وان غدر وكذب، واغان تطيح بكرامة العاشق لتمثل تمكن الحب من الصَبالمعنى، وربما تصبح اسوأ صفات المعشوق اهم اسباب الهيام به، كما يقول الموسيقار المصري محمد عبد الوهاب(علشان الشوك الي في الورد بحب الورد واستنى هجره وتعذيبه). 



الحب لا يقوم على مبدا الخضوع والتضحية بالحقوق وتحمل عذاب يسومه المعشوق للعاشق ولكنه في عالم سلطوي يسحق الفرد، لا مناص فيه من القبول بعلاقة احادية الجانب يفقد المرء فيها ما لم يحصل عليه ابدا: 


حريته وكرامته وتمكنه من مصيره حقا. 



الاغنية بموسيقاها تسرق الآذان لتلقنها ثقافة السلطة وتدني قيمة الانسان حيال سطوتها وتجعل الاجيال بنموها ترسّخ المفاهيم المغلوطة كقاعدة لا شك فيها لاسلوب حياتي عاطفي متوارث. 



عالميا تصف الاغنية معاناة الانسان وو لوعته ازاء اغترابه عن حضارة تقوضه وتصيّره الى عصارة مجردة من كينونتها المتفردة، وتقع مهمة صهر الانسان في قالب ثقافي يجعل من ثورته رمادا، ومن طموحه سلما لارتقاء السلطة لا الانسانية نحو اهداف مريعة تنذر بالشر والعنف لا غيرهما. 



في العراق توالدت مفردات تساير عنف التأريخ الدموي الحديث والتخلف واللاانتماء للوطن لتصبح اشد الاغاني اثارة للاشمئزاز وربما كان افضلها من تناول الخضروات والفواكه كمادة شعرية لاغنية ضوضائية فجة تحاكي النسيج الاجتماعي لسلطة لا تتخلى عن كرسي تعتليه هو من حق المواطن العراقي مظلوم فحسب، اضافة الى امتيازها بالعداء السافر للمرأة العراقية الصابرة على محن الحروب وفقدان الابناء والأحبة ووصفها بأسوأ الصفات والنعوت واستخدام اللغة السوقية كبديل رائج لا يحتاج كثيرا من التأمل كما هي اغاني السبعينات"انا متعود عليك هواي يا سولة سكتّي .. ياطواريك من الظلمة تيجيني .. جانن ثيابي عليّ غربة گبل جيتك .. ومستاحش من عيوني". 



ان كنا لا نملك ما ندين به هذه المرحلة من تأريخ العراق كدليل ضدها لإفتعالها كل مايهدم الثقافة العراقية ونمو اجيال معوقة عاطفيا ونفسيا فان اغنيتي (بتل بتل) و(اريد ابجي على جويسم ابو الغيرة شراب العرك وابطالة البيرة) كفيلتان بإدانة المرتع القذر الذي سمح لهكذا كلمات بالتجوال بين الهواتف النقالة وسيارات الاجرة والفضائيات وما اكثرها، لتمسخ ذريتنا الى قطيع اغنام لا يهش ولا ينش وغير جدير بقيادة مجتمع عدا انه يجهل الطريق نحو حب عبرت عنه هذه الكلمات ببساطة(هواك انت يذكرني بفرات ودجلة يومية / مثل كلبي ومثل كلبك تلاكن صافية النية).



Unknown

About Unknown

كاتبة عراقية ملحدة الحمد للعقل على نعمة الالحاد. تولد عام 1964. حاصلة على البكلوريوس في الطب و الجراحة البيطرية. صدرت لي عدة مجاميع شعرية. تنوع نتاجي الأدبي بين الشعر و القصة القصيرة و النص المفتوح و المقالة. لازال هناك المزيد من المخطوطات الشعرية والقصصية تتكدس بين برزخ الحلم و حقيقة التجسد...... لدي مشاريع روائية تنتظر لحظة قطافها.،

Subscribe to this Blog via Email :