كثيرا ما سالت نفسي لم كل الرسالات السماوية نزلت في ارض واحدة؟، لـِمَ لم يرسل الله رسله للشعوب الاسيوية،
كالصين والهند رغم كثرة عددهم؟؟؟؟؟؟؟، ولا للامريكيتين والهنود الحمر ولا استراليا ولا حتى اهل القطب وصحراء سيبيريا؟؟؟، وكان الجواب المنطقي يأتيني كالآتي:
الاول:
ان العرب لا يمتلكون من المواهب شيئا سوى اللغة، فالجمل مثلا له الف اسم وللناقة ايضا، الى جانب اللغة هناك الادعاء والمبالغة والكذب والتفاخر و كل هذا بدائل لسد شواغر من لا يملك اثرا او صرحا للحضارة في الرمال.
قبل ظهور النبي محمد خاتم الانبياء كان ابو لهب قد ادعى النبوة، وامية ابن الصلت كتب اشعارا لا تختلف عن القرآن بشيء الا بكون هذا شعرا والاخر ما يشبه السجع، وقد قال عنه النبي " آمن شعره وكفر قلبه "، من اشعاره:
وَفي دينِكُم مِن رَبٍ مَريمَ آيةٌ مُنَبِّئَةٌ بِالعَبدِ عِيسى اِبنِ مَريمِ / اَنابَت لِوَجهِ اللَهِ ثُمَّ تَبتَّلَت فَسَّبَحَ عَنها لَومةَ المُتَلَوِّمِ / فَلا هِيَ هَّمَت بالنِكاحِ وَلا دَنَت إِلى بَشرٍ مِنها بِفَرجٍ وَلا فَمِ / ولَطَّت حِجابَ البَيتِ مِن دُونِ أَهلِها تغَيَّبُ عَنهُم في صَحاريِّ رِمرِمِ / يَحارُ بِها السارِي إِذا جَنَّ لَيلُهُ ولَيسَ وإِن كانَ النَهارُ بِمُعلَمِ / تَدّلى عَليها بَعدَ ما نَامَ أَهلُها رَسولٌ فَلم يَحصَر ولَم يَتَرَمرَمِ / فَقالَ أَلا لا تَجزَعي وتُكذِّبي مَلائِكَةً مِن رَبِ عادٍ وجُرهُمِ / أَنيبي وأَعطي ما سُئِلتِ فاِنَّني رَسولٌ مِن الرَحمنِ يَأتِيكِ بابنَمِ / فَقالت لَهُ أَنّى يَكونُ ولَم أَكُن بَغيّاً ولا حُبلى ولا ذاتَ قَيّمِ / أَأُحرَجُ بالرَحمنِ إِن كُنتَ مُسلِماً كَلامِيَ فاقعُد ما بَدا لَكَ أَو قُمِ / فَسَبَّحَ ثُمَّ اغتَرَّها فالتَقَت بِهِ غُلاماً سَوِيَّ الخَلقِ لَيسَ بِتَوأَمِ / بِنَفخَتِهِ في الصَدرِ مِن جَيبِ دِرعها وما يَصرِمِ الرَحمَنُ مِلأَمرِ يُصرَمِ / فَلمّا أَتَمَتَّهُ وجاءَت لِوضعِهِ فآوى لَهُم مِن لَومِهم والتَنَدُّمِ / وَقالَ لَها مَن حَولَها جِئتِ مُنكَراً فَحَقٌّ بأَن تُلحَي عَلَيهِ وتُرجَمي/ فَأَدرَكَها مِن ربّها ثُمَّ رَحمَةً بِصِدقِ حَديثٍ مِن نَبيٍّ مُكَلَّمِ / أَنيبي وأَعطي ما سُئِلتِ فاِنَّني رَسولٌ مِن الرَحمنِ يَأتِيكِ بابنَمِ / وأُرسِلتُ لَم أُرسَل غَويّاً ولَم أَكُن شَقيّاً ولَم أُبعَث بِفُحشٍ وَمَأثَمِ /
و له
لأعمالُ لا تستوي طرائقُها/ أمن تلظَّى عليه واقدة النار محيط بهم سرادقها/ أم مسكن الجنة التي وُعِدَ الأبرار مصفوفةٌ نمارقها/ هما فريقان فرقة تدخل الجنة حفَّتْ بهم حدائقها /وفرقة منهم وقد أُدخلت النار فساءتهمُ مرافقها
وله:
إنَّ آيات ربنا باقياتٌ
ما يُماري فيهنَّ إلاَّ الكفورُ
خلق الليلَ والنهارَ فكلٌّ
مستبين حسابه مقدورُ
ثم يجلو النهار ربٌ كريم
بمهاةٍ شعاعها منشورُ
حبس الفيلَ حتى
ظلَّ يحبو كأنه معقورُ
و ايضا:
لهُ العالمينَ وكلَّ أرض وربُّ الرّاسيات من الجبالِ/ بناها وابتنى سبعاً شداداً بلا عمدٍ يرين ولا رجالِ/ وسوّاها وزيّنها بنور من الشمسِ المضيئةِ والهلالِ / ومن شهب تلألأ في دُجاها مراميها أشدّ من النصال / وشق الأرض فانبجست عُيوناً وأنهاراً من العذب الزلالِ / وبارك في نواحيها وزكّى بها ماكان من حرث ومالِ / فكل مُعمرٍ لا بُد يوماً وذي دنيا يصيرُ إلى زوالِ / ويفنى بعد جدّته ويبلى سوى الباقي المقدس ذي الجلالِ
و ايضا:
مستوسقين مع الداعى كأنهمو * رِجْل الجراد زفتْه الريح تنتشرُ
وأُبْرِزوا بصعيدٍ مستوٍ جُرُزٍ * وأُنـْزِل العرش والميزان والزُّبُرُ
وحوسبوا بالذى لم يُحْصِه أحدٌ * منهم، وفى مثل ذاك اليوم مُعْتبَرُ
فمنهمو فَرِحُ راضٍ بمبعثه * وآخرون عَصَوْا، مأواهم السَّقَرُ
يقول خُزّانها: ما كان عندكمو؟ * ألم يكن جاءكم من ربكم نُذُرُ؟
قالوا: بلى، فأطعنا سادةً بَطِروا * وغرَّنا طولُ هذا العيشِ والعُمُرُ
قالوا: امكثوا فى عذاب الله، ما لكمو* إلا السلاسل والأغلال والسُّعُرُ
فذاك محبسهم لا يبرحون به طول المقام، وإن ضجّوا وإن صبروا
وآخرون على الأعراف قد طمعوا * بجنةٍ حفّها الرُّمّان والخُضَرُ
يُسْقَوْن فيها بكأسٍ لذةٍ أُنُفٍ * صفراء لا ثرقبٌ فيها ولا سَكَرُ
مِزاجها سلسبيلُ ماؤها غَدِقٌ * عذب المذاقة لا مِلْحٌ ولا كدرُ
وليس ذو العلم بالتقوى كجاهلها * ولا البصير كأعمى ما له بَصَرُ
فاسْتَخْبِرِ الناسَ عما أنت جاهلهُ * إذا عَمِيتَ، فقد يجلو العمى الخبرُ
كأَيِّنْ خلتْ فيهمو من أمّةٍ ظَلَمَتْ * قد كان جاءهمو من قبلهم نُذُرُ
فصدِّقوا بلقاء الله ربِّكمو * ولا يصُدَّنَّكم عن ذكره البَطَرُ
الآيات القرآنية المشابهة لما ذكر حول مريم:
كهيعص (1)…وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آَيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (21) فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22) فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23) فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25)فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26) فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) ذَلِكَ عيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34)
كما قال الشاعر زيد بن نفيل وصف ولادة السيد المسيح بن مريم بالأبيات المدونة أدناه :
فقالت مريم أنى يكون ولم أكن بغياً ولا حبلى ولا ذات قيم / فقال لها إني من الله آية وعلمني والله خير معـــــــلم / وأرسلت ولم أرسل غويا ولم أكن شقيا ولم أبعث بفحش ومأثم ..
و قال الشاعر الشاعر رؤبة بن العجاج في وصفه هزيمة حملة أبرهة ببيتين من الشعر:
ومسهم ما مس أصحاب الفيل/ ترميهم بحجارة من سجيل / ولعبت بهم طـــير أبابـــــيل/ فصيروا مثل عصف مأكول.
ولو بحثنا في شعر الاحنف وامريء القيس لوجدنا ما يطابق الآيات او يشابهها معنى ولفظا، بل ان معظم من اطلق على عصرهم بالجاهلية ما كانوا كذلك، وفي اشعارهم من القرآن الكثير حتى قبل ولادة النبي في عام الفيل، ولعبد المطلب قرآن فصيح على هيئة شعر مقفى.
هذا يعني مما سبق ان للعرب اقوال مشابهة وعلم سابق بما جاء في القرآن، وامية من اشد المقربين الى ورقة ابن نوفل وهو من الموحدين مع عبد المطلب والكثير من الاحناف، وبالتالي فان ظهور نبي مع اقوال الفوها ليس بغريب ولا عجيب انما احتجوا على النبي لاسباب اقتصادية تسحب من مكة قدرتها على اجتذاب العرب نحوالحج والتبضع، وهي واد غير ذي زرع، وحين اصبح الحج احد المناسك لم يتبق عليهم سوى الايمان ولو لاجل مصالحهم الدنيوية كما فعل بنو امية.
السبب الثاني:
ان الله ما وجد من فسوق وفجور الا في هذه الارض، وظل يرسل الانبياء ليصلح امرهم حتى اصابه اليأس وختمها بمحمد، لكنهم لم يتفقوا ايضا فخرجوا باديان من تحت هذا الدين الاخير اسموها المذاهب وتفقهوا حتى اختلط القرآن بتفسيره على الناس الى يومنا هذا، السنة لهم الشافعي والحنبلي والمالكي الخ، والشيعة لهم الاثناعشرية والاسماعيلية والعلي اللهية الخ...
و اهل مكة لازالوا كما هم، اهل خمر ونساء يشترون عبيدهم من اسيا، وجواريهم من شرق اوربا وغربها، يقولون الشعر، ويعشقون الرقص والسهر، وان كان بيت الله على مقربة منهم، فقد كان ذا شأنهم قبل ان يظهر الرسول، وما ان مات حتى عادوا الى ما هم عليه، وبقوة السلاح انصاعوا بعض الزمن ثم عادوا الى قصورهم وجواريهم وخمورهم.
كان فعلهم هذا في الصحراء، وكارثتنا انهم نقلوا موروثهم الثقافي لكل شعوب الاسلام، فما قامت للشعوب المسلمة قائمة، وان استطاع البعض الافلات، فانهم لم ينجوا من الفتن بين وقت واخر بسبب الموروث الاسلامي المتصحر، وكان نصيب العرب الحضيض دوما، لتواصلهم وقربهم من الصحراء اللعينة بأهلها وخلقها.
الادهى اننا حتى الآن لا نعيش في عصرنا، وكلما واجهنا مشكلة قولبناها وضغطناها وعصرناها بما يناسب ما حدث زمن ابو بكر وعمر وعثمان وعلي حتى ان هؤلاء بما فعلوا غلبوا على القرآن وسنة النبي تبعا للمذهب الذي تؤمن به تلك الطائفة.
كما ان القرآن حرف تفسيرا وفقها واصبح بين ايدي الفقهاء كصلصال يفخرونه وفق ما ارادوا وتمنوا، اما السنة فأضافوا اليها مع عدد القرون المتوالية كل ما لم يحلله كتاب الله او يحرمه، ليصبح الدين الاسلامي كيسا يودع فيه ما يودون وما يشتهون ثم ينسب اليه ليأخذ حظه من القدسية وضمان عدم المعارضة او النقاش فيه، وليس اسهل من قال فلان عن فلان عن فلان الى سطرين او ثلاثة ان النبي قال كذا، والنبي واهل بيته منه براء.
و اظننا لن نصيب من الحضارة شيء ان لم نخرج من مكة وقريش وما حدث فيها وما فعل اهلها، وسنظل تحت اهبة الاستعداد لحمل السيف كما حملوا وقطع الرؤوس، مع اذعاننا الكامل للروم والبيزنطة كما هم اسلافنا.