د.ماجدة غضبان المشلب |
كان يا ما كان..
في هذا العصر و الأوان...
طفلة ملأ الحب قلبها، و فاض حتى اغرق المدن و القرى..
ناسل دجلة.. و لامس الفرات..
علا موجه فراقت له قمم الجبال،
و شوامخ النخيل..
انحدر في الوديان، و لوّن
السماء، و سقى السحاب بكرم الاسخياء..
طفا جسدها فوق مرام العشق
الذي شتله رحم قروي.. و جرفتها نوتاته الموسيقية نحو المجهول..
ظلت تعوم في عالم غير منظور..
لم يفتقدها احد.. غير انها
افتقدت الصحبة..
رنت بعينيها نحو شطآن لا
ترى..
طرقت ابواب ضلوعها بابا بعد
آخر.. لعل الحب قد ولّه احدهم فسكن هناك في صدرها..
غمر يديها الضباب.. و
الوحشة..
و انصاعت الألوان لرغباتها
اللامرئية..
شتل جسدها بين كونين احدهما
أعمى، و الآخر لا يدرك ضوءها أبدا، و لا تسقط على شبكيته صورتها..
احدهما مزدحم بالناس و الدخان
و الغربة.. و الآخر خاو حتى الموت
رحلت طفولتها مع جناحي طائر
التم في هور الحمار..
و هاجر صباها مع المهاجرين
نحو شمال الكرة الارضية..
و جاء الشباب بقوته، و غروره
فحملها بذراعي الفتوة الى عالم جديد ولد عند ساحل دفتر و واحة قلم، قرب شهوة ريشة،
و غطرسة لون..
لم يرافقها الا شهيقها، و كل
زفير يغادر رئتيها يحصد يوما لا يعود..
لم ينته زمن الحصاد الى زمن
آخر..
و ما من قمح اعتلى بيادر
الحزن..
و ما أمسكت أصابعها الا بعنان
الريح..
ترافقه في جنونه، و عفويته، و
غضبه غير المعقول..
هشمت ما حولها ساعة عصف..
و لقحت كل اناث النخيل في يوم
صفاء..
ذبحت انوثتها عند قدمي النبي
ابراهيم..
و صلبت قلبها بمسامير يسوع..
و سبيت كل اوراقها في معارك قريش..
و الموج الذي عانق الدجى و ما
رق من الفجر جف عند رمال الكمد..
يوما ما كانت الوحدة عدوها..
فأضحت تجعل منها وسادتها
ليلا.. و خليلا لها نهارا..
حتى الآن لم تسجل حالة فقدان
طفلة..
و لا ضياع كاعب حسناء..
و لا وفاة شابة عراقية
الملامح، جنوبية الأريج..
و لا اختفاء امرأة في الخمسين
من عمرها..
لا سجلات تحتوي أكوادها في
العالم الإفتراضي..
لا شيء منها هنا أو هناك..
رغم ذلك لم توضع شاهدة قبر..
و لم ينصب عزاء..
و لم يعرف احد ابدا انها ذلك الموج
الذي مر في خاطر المحيطات فمنحها زرقته.. دون ان يترك خلفه حطام سفينة،أو شراعا
ممزقا..