د.ماجدة غضبان المشلب |
الطعام هنا لا يكفي ، و الماء يشح بإستمرار.. و الحر
قاتل..
مشاجرة مع مخالب الفضاء قد تسببت في كسر جناحي ، و تناثر
ريشي على اغصان شجرة برية مشوكة ، عدا جروح طفيفة في الجؤجؤ..
الساقية الضحلة التي يسمونها فخرا بالنهر.. أصابت خيال اللاغطين بعطب ما ، و غرقت في قعرها العاري
كل آثار رحلاتنا نحو الشمال..
رغم انها ليست كل ما في الأرجاء ، فقد كررت الشموع
المقدسة ذوبانها على سطحها الآسن ، و احتشدت آلاف الطيور عندها خاشعة..
بعض المخضرمين يعزفون عن الإصغاء الي ، و اليافعون
يجدونني حمقاء ، ابدد وقتي في تطلع شاذ..
خسارتي لجناحي القوي و ريشي جعلتني محط سخرية كل طيور
السبخة..
_ما تشرق الشمس الا لتقول انها قضت ليلتنا في مكان آخر يبتهج
بضوئها..
سقط صوتي على صمت السبخة دون مهد يستقبله ، و غرد البعض
خفية إشارة منهم الى فقداني لبوصلة الإتجاهات ، و هي أثمن ما يملكه طائر مهاجر..
جناحاي الوقحان يحثاني على التحليق بعيدا ، و العيون
التي ترمقني بإزدراء لم تتابع تنهدات الريح التي رافقت رحيلي صوب الأفق المجهول..
قبل ان يتساقط الغروب بهدوء من مخبأ الشمس كنت قد بنيت
عشا بين القصب ، و استمتعت بمرأى الاف الطيور من حولي، و هي تبني لبيوضها و صغارها
بيوتا لا تحصى حيث تمتد صفحة الماء بلا نهاية..
_هل ستصدقني طيور السبخة؟..
هل ستتبعني يوما نحو مسقط رأس كل طير مهاجر؟.
سؤال ليس لعشي الواهن طاقة به، و أثقل من أن أحلق به
مجددا نحو الساقية الضحلة.. لكن ذاكرة المكان ستحتضن حتما و بشدة آخر المشاهد
لتجمعات قومي عند شفتيها قبل وداعي الأخير..