ان راحة الضمير هي مطلب كل
انسان، حتى المجرم منهم، فهو دوما يلجأ الى تبرير جريمته، كي يكون راضيا عن نفسه بشكل
او بآخر، كما ان الظهور بمظهر حضاري امر يحاط بعناية و رعاية كبيرة من قبل الانظمة
الغربية، لذلك وضع سجن غونتنامو خارج الولايات المتحدة، في جزيرة تم استئجارها
بالفين دولار من كوبا، لازالت تصل الحكومة الكوبية بصك شهري..
انهم لا يستطيعون الاعتراف
بوجود اكثر السجون وحشية على اراضيهم، خاصة و هم يصدرون ديموقراطيتهم الى العالم
كله، و تتحرك جيوشهم تحت هذه الراية المصطبغة بلون حضاري، كذلك تفعل معظم انظمة
الدول المتحضرة حين تزخرف جرائمها ضمن قوالب مبهرجة، فالوحشية، و الارهاب، و
استغلال المراة من اختصاص المسلمين كما يدعون، و ان اضطروا للتبرير يوما سيكون
الامن القومي الغاية التي تبرر كل وسيلة، و توفير الطاقة لبلد لا يمكنه الاستمرار
دونها مهمة مقدسة، يطاح امامها و لاجلها بكل مقدسات الامم الاخرى.
القالب الذهني هو مجسم الضمير
الفردي و الجمعي، و لا غنى عنه، انه داتا مصنوعة من الحوامض الامينية التي تجد لها
موقعا في قالب يحفظ و يرقم داخل الوعي البشري، ليصبح فيما بعد منطلق كل فعل في اللاوعي،
و العقل الباطني، و يعد اساسا لبناء فكري كامل يسير المرء منذ ولادته و حتى مماته،
و يكاد ان يلقي بضوئه ساطعا على كل جذور السلوك الفردي مهما اختلفت الثقافات و
تباينت.
حين تقول لاي امريء اقتل عدو
الله، مع ثقافة سابقة تشمل تعريفا كاملا لهذا العدو، سيقتله بضمير مرتاح دون ان
يبحث كثيرا ان كان عدو الله حقا ام لا، يكفي انك وضعت جريمة القتل في قالب ذهني
مقدس لا يمكن مناقشته، و صارت من ضمن المسلمات او البديهيات التي لا تستدعي
النقاش.
جبل المرء على الافتتان
بالقوالب الذهنية الجاهزة، و المعدة مسبقا لوضعها في موقعها المناسب متزامنا مع
جغرافيتها، و ركائزها التأريخية المقنعة، ان هذه العملية التي تتم بناء على ما
تشتهيه الانفس من راحة و طمأنينة، و مبررات معدة لجعل الضمير متوجا على عرش الرضا
و القناعة لهي اشهى من الاقبال على حقنة مخدرات من قبل مدمن عليها و ينتظرها على
احر من الجمر.
عشق القوالب و السعي
للاستحواذ عليها منذ الطفولة التي تنشأ مصغية على مجموعة من اوامر الكبار هو سعي
نحو التحام الفرد بمجموعة ما، استجابة لرغبة الانسان الطبيعية في الاندماج ، و
تبني فكر اية مجموعة تحتضن وجوده الغض، و تجعله مقبولا لديها، لا يفعل الا ما
يرضيها، و ينسجم مع حركتها المنظمة سلفا، لانها ستبرر له كل افعال حياته، و تمنحها
منطقها الذي لا يناقض ما حوله، و بالتالي تصنع منه فردا راضيا عن ذاته، يتوسد
مخدته ليلا بضمير لا يعكر صفوه شيء...
ان القالب الذهني هو سلاح الثقافات
المختلفة التي تقوم على اسس تجعل من كبح تمرد العقل الفردي استمرارا لامتدادها
زمنا و مكانا، و ان كان هذا السعي يتبنى مفاهيم البحث عن مخرج للانسانية من مضيق
الامها، ، و هذا ما اتاح للناس على مر التأريخ اجتماعهم _و ان كانوا على باطل_ مع
ايمان شديد بما يعتقدون دون بحث او تمحيص عن مدى صحة ما ورثوه من افكار ابا عن جد.
و مع حقيقة استحالة التوقف
عند تطور مادي ما ، و على ما يعقبه من تطور في وعي الفرد و المجموع، تغدو المواكبة
بين هذا و ذاك ضرورة ، و يصبح خروج احدهم عن النسق العام لثقافة معينة حاملا معوله
الفكري محطما قوابها المقدسة جزءا لا مناص من اجتماعه مع نقيضه من ركود فكري، لتكون
الفكرة الحرة الجديدة مسعاه الذي لا يحيد عنه.
غير ان هذه الفكرة الملتهبة الحرة سرعان ما تتخذ
شكل القالب الذهني الجاهز المعد من قبل قوة اقتصادية تتبناها، و تسطح تعرجاتها،
لتسهيل استيعابها من قبل العقول المقولبة، لتكون قيدا جديدا، و قالبا ذهنيا جديدا
يحد من حرية الانسان و يضع العقبات امام تفتحه الذهني..
هذا ما يحصل دوما، منذ بدء اولى
الحضارات حتى يومنا هذا، فكل السلطات الدينية و السياسية القائمة بين تناقضات
الانظمة الديموقراطية و الديكتاتورية تبحث عن القوالب التي تخصها، لتحاصر عقول
الناس بها، و تمنعهم من مغادرتها، و لتيسير عملية التحكم بالفكر الجمعي وفق ما
توده السلطة و ما يناسبها.
القوالب هي بديهة الانسان، هي
راحة ضميره، و هي عدوه من حيث لا يدري، فكل جرائم الكون تتم من خلالها، و برضا الكيان
الفردي المرتبط بكيانه الجمعي، و بتعاون منه.
هذا لا يعني انه لا توجد في
المقابل قوالب تحاكي فطرة الانسان الطيبة، و عشقه للخير، لكن كل خير في الانسان
يظل دوما خارج القوالب السلطوية، و خيارا ذاتيا يتعلق بالفرد لا بالمسيرات
الجماعية المقولبة.