يظل القلب مواليا لك.. قد شهدت بعيني كل من ترصدوا لي في
الزوايا حاملين الخناجر.. و السكاكين.. لم يطرأ على بال اي منهم ان قتل هذا القلب لا
يتطلب مدية حادة.. تكفيه الخيانة كي يتحول الى ناعور (يترس و يبدي) الماء دون توقف..
يحضن ما عشق بصمت، و لا يهمه كم من الزمن سيظل دائرا في هذه الدوامة..
أخطأت بارسال جنودك ايها الملك.. قد خرجت من ذاك البهي
بقببه و مناراته الذهبية، اذ اقيم على ارض لم تكن يوما لاهل بلاط، و بني بنقوشه و
فسيفسائه معطرا بعرق، و دمع، و الم المجهولين ممن يبحثون عن لقمة عيشهم، و ان كانت
تحت سطوع نوافذ ملونة بزجاج فريد، و لعلك تجهل انهم لا يملكون من الوانها لونا يبهج
حياتهم النائية عن القصور..
ايها الملك.. ان القلب، إن شئت ان تتلمسه يوما، لا يجمع
بين حب الطين و الماء، و عبادة الجواهر، و الماس على التيجان.. الخافق غالبا ما يجمع كل قواه، و يصبها في بحر شوق يتوجه نحو المرافيء فحسب، و كل المرافيء تبحث عن عشقها الوحيد الذي
ربما غرق لحظة غدر في قاع المحيط، و دخل دونما قصد قلب محارة ليتحول يوما بعد اخر الى
لؤلؤة مضيئة لا يشتريها سواك..
و يظل القلب مواليا.. ليس لانه لم يعرفك بعد.. بل لانه
افنى النبضات على ساحل غريب دون ان يدري ان الرمل يعيد كل شيء الى قاع بحرك الذي تخوض
فيه كل اساطيلك دون اعتراض عليها من احد..
ربما هو الغباء الذي يجعله يتأمل في اهل القصور خيرا لاهل
الطين و الماء.. ربما الصدق الذي لا يعرف غيره من يرى وجهه كل يوم في الماء، و ليس
في مرايا قصرك..
المحنة التي وضعني فيها هذا الولاء انه لا يرأف بي كما
يرأف بكل ذكرى كانت لك قبل ان تحل لعنة القصور بي.. قد هجر المنطق هذا الجزء المتلهف
من جسدي.. و تمرد علي.. لم يعد يعرف فرقا بين الولاء لك و لتاجك المرصع بعذابي.. و
للطين الذي يتقن كل فنون الاخلاص لجذور النخيل..
اواه، كم تسعد بالولاء.. اواه، ما اشقاني به.. قد مرت هذه
المحنة بمن سلكوا الندوب التي زينت طريق لا عودة منه حين يطبق باضراس الشوق على اقدام
السائرين فيه..
انا لا اتقن الكذب.. لا اجيد لمعان الماس.. الطين يكللني..
و الماء يرسلني الى اللامنتهى حين اعلم انه قد صب في بحرك ثم انتهى الى محيطك.. لذا
سيظل القلب مواليا ما سارت الانهار و ما جرت صوب كل طين و قصر....