اني لن أسألك عن إجحاف خطى الزلل و التأرجح.. و لن اتذمر
ان تململت حصاك تحت ضلال قدمي، او اظهرت الريبة رمالك، و هي تغير من مواضع كثبانها
بين حين و آخر، و لن ترعبني الحمم التي تتجلى وسط ليلك البهيم، لتعلن عن رغبتها في
تغيير ملامح قشرتك..
سأكف عن تطلعي المضجر صوب اميال ساعة تدور دون ان تفهم
ان بعض دورانها هو بعض دوامة ابتلعت أيامي قبل ان تضع لها محطات راحة رحيل..
سأستسلم امام تأني حركة الظلال، و لن اعترض على جنون
التحوي الذي يصيب مويجات الضياء السريع..
ها أنت ترى كم أصبحت طيعة.. فبعد الخمسين يدرك المرء ان
الدروب ادرى بشؤونها منه، و ان بعض احلام الصبا التي تسربت من مخدع الشبق، و صارت
تصهل بي لابتعد و لو قليلا عن خرائطك المزدانة بالاصرار ليست سوى غنج صبا يجهل ما
حنكة القوانين الخبيئة خلف جثامين الجبال، و مجرى الانهار..
اغفر لي غفلتي عما وسعته حكمتك.. و استمع الى خفقان قلب
أفزعه سراب صحراء مخادع، و علو موج طائش.. فهو يرتجي رحمتك الان..
ما عاد في القطيع من شياه شهية لذئابك..، و لا من نبت شحيح
الماء لإبل صبرك..
تقبل ايها الطريق تعثر من توكأ على عصا الشيخوخة لا
عصيان الشباب..
و تمتع برجاء التجاعيد الذي طال انتظارك له..
اني اليوم اذ اسير لا ارجوك سوى محطة اخيرة تتكيء فيها
اكتاف العناء على وسادة تلين تحت عظام الوهن، و تزيح باناملها الرؤوم عن ملامحي
وعثاء الترحال..
سأرجو في ليلك الصمت ان يظل رفيقا.. و السكينة دثارا..
اهدأ.. ايها الطريق.. ان ما تبقى لا يستحق عنفوان
مطالبتك بثأر عتيق .. لا ترم بشظايا ثورتك على جسد صار نثارا بين الم كان، و شبح
جرح سيكون..
لم تعد هذه الندوب تذكرني الا بغباء الانامل التي امسكت
بالسيوف من نصالها النزقة لا من مقابض حكمتها..
و تلك الدموع ما كانت سوى بكاء طفل لم يتذوق بعد لذعة
الجمر الخبيء تحت الرماد..
قل للرياح ان تستكين قليلا، فعمرها المديد لن يجد سلواه
في عد ثقوب ثوبي ليكف عن اقتراح المزيد منها بين ما بلي من نسيج و ما صمد..
و قل للمفاجآت التي تتصيدني بين مفرق و آخر ان ما في
جيبي لن يستهوي قاطع طريق..
امتد ايها الطريق.. امتد كما كنت ابدا.. متعجرفا..
مغرورا.. منتشيا بآهات الزاحفين على ارصفة سخريتك..
امتد.. فاني في اللحظة التي كدت سأرمي برسالتي هذه في
أول صندوق بريد حزنت لكبرياء السنين التي قاتلت سيوفك بعصا من خشب، و تذكرت كم من
قربة ماء كنت احارب بجفافها جفاء السحب، و نأي عشب الضفاف عن تعرجاتك المبتذلة
امام صدقي، و نقاء الافاق التي اشرقت عندها شموسي، و غامت بدمعها، و غربت..
امتد.. فان مقاتلة مثلي لابد بعد ان تجفف دمعها ستذكر ان
متابعة سير شامخ على ساق عرجاء، و نصف عصا متآكلة، لهو خير من استجداء رحمة قلب،
لم اجد له يوما نبضا بين صبر نفذ، و ثورة لا تفتأ تمزق هدوئي عند ابوابك الصدئة...